
ما معنى كلمة عرب ومصدرها؟
أقدم نص ذكرت فيه لفظ "عرب".
إن أقدم النصوص التي وردت فيها كلمة
“عرب” هو نص آشوري من عهد الملك “شلمنصر” 858-823 ق.م. والواضح ان كلمة عرب لم تكن تعني
عند الآشوريين ما تعنيه عندنا من معنى اليوم، فالآشوريين كانوا يقصدون بكلمة
“عربي” على اختلاف أشكالها بداوة ومشيخة كانت تحكم في أيامهم البادية. كذلك وردت في
النصوص البابلية كلمة "ماتورابي" والتي تعني "بلاد الأعراب".
وكذلك ايضاً وردت كلمة " الاعراب" باللغة "الأخمينية" في الكتابات
الفارسية. والواضح ان البابليين والآشوريين والفرس قصدوا من “العربية” أو “بلاد
العرب”، سكان البادية المجودين من غرب نهر الفرات إلى بلاد الشام.
وبعد آشور وبابل وقبل مصر ذكرت
“العربية” في نص "دارا الأول"، وهو الذي حمل بعض العلماء على إدخال طور
سيناء فيَ جملة تلك الأراضي. وقد عاشت قبائل عربية في سيناء قبل الميلاد.
ورودها في اللغات القديمة.
وبهذا المعنى "البداوة
والأعرابية"، وردت في اللغة العبرانية وفي لغات سامية أخرى. وإذا راجعنا
المواضع التي وردت فيها كلمة “عربي” و “عرب” في التوراة، نجدها بهذا المعنى تماماً،
ولم يقصد بها قومية بالمعنى المعروف المفهوم، وإنما المراد بها البادية، التي بين
بلاد الشام والعراق وهي موطن الأعراب.
اما علماء اللغة العربية فقد توصلوا للصلة
بين الكلمتين “عرب” و“عربة”، حيث قالوا “إن التسمية جاءت نسبة الي بلادهم. وقال
إسحاق بن الفرج: عربة باحة العرب، وباحة دار إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام”. وقالوا:”
أقامت قريش بعربة، وأنتشر سائر العرب في جزيرتها، فنسبوا كلهم إلى عربة، لأن أباهم
اسماعيل، عليه السلام، نشأ وربى أولاده فيها فكثروا. فلما لم تحتملهم البلاد،
انتشروا، وأقامت قريش بها.
وقد أخذ علماء اللغة العربية هذه
الرواية من أهل الكتاب، تحديداً اليهود، اذ ان المسلمين المختلطين باليهود دائما
ما سألوهم عما ورد في التوراة من أمور، خصوصاً تلك الأمور التي وردت في القرآن
الكريم والأمور التي تخص تأريخ العرب وصلاتهم بأهل الكتاب. وهناك رأى يقول ان كلمة
"عرب" أخذها اليهود من الحضارات السابقة "اشوريين – بابليين –
فرس"، حيث انها وردت في نصوصهم قبل نزول التوراة. وهذا الرأي يرجع لبعض علماء
التوراة.
أقوال المؤرخين فيها.
أول من ذكر العرب من اليونان هو "إسخيلوس" (525 ق.م - 456 ق.م.) وقال: "انه كان في جيشه ضابط
عربي مشهور من الرؤساء". ثم تلاه “هيرودوت” (484 ق.م - 425 ق.م). شيخ المؤرخين،
فتحدث عن العرب وقال: "انه كان على شيء من العلم بهم"، وقصد هنا البادية
وجزيرة العرب والشام إلى الشرق من نهر النيل. فادخل “طور سيناء” وضفاف النيل في
بلاد العرب.
وتدل المعلومات الواردة في الكتب
اليونانية واللاتينية المؤلفة بعد “هيرودوت” على تحسن في معارفهم عن بلاد العرب،
فصارت كلمة العرب عندهم علماً على الأراضي المأهولة بالعرب والتي تغلب عليها
الطبيعة الصحراوية، وعلى أن حدودها قد توسعت في مداركهم فشملت البادية وجزيرة
العرب وطور سيناء، وصارت كلمة “عربي” عندهم تطلق على الشخص المقيم في تلك الأراضي،
من بدو وحضر، إلاّ أنهم اعتبروا بلاد العرب بلاد بدوية لا يفرقون بين قبائل ومدن.
أي ان كل عربي بدوي.
بادية الشام.
"بادية الشام" هكذا أطلق "الأراميون"(أحد الشعوب السامية) على بلاد العرب، وقصدوا بها المنطقة الممتدة من نهر الفرات الي حدود
الشام، وكانت هذه المنطقة تحت حكم الفرس، وكانت تعرف لديهم باسم "بيت
عربائه"، وقد ذكرت تلك التسمية ايضاً في الكتب اليونانية المتأخرة. وقصد بها ايضاً معنى الأعرابية والسكنى
في البادية.
النصوص العربية القديمة
وليس لدينا نصوص جاهلية من النوع
الذي يطلق علية المستشرقون “كتابات عربية شمالية”، فيها أسم “العرب”، غير نص واحد
معروف بـ "نقش النمارة" ويعود إلى "امرؤ القيس بن عمرو بن عدي" (ثاني ملوك الحيرة) (295- 328). وقد وردت كلمة “العرب” في النص
الذي يعود عهده إلى سنة “328 م، الا أننا لا نستطيع القول: إن لفظ “العرب” هنا،
يراد به العرب بدواً وحضراً، بل المقصود “الأعراب”، أي القبائل التي سكنت البادية
في تلك الفترة.
وكذلك وردة "أعراب" في
النصوص العربية الجنوبية. منها "أعر ملك سبأ" بمعني "أعراب ملك
سبأ، ولم يكن يقصد منها القومية العربية، بل البادية ايضاً. وهذا لم يشمل المدن
المتحضرة في ذلك الوقت، مثل "همدان، وسبأ، وحمير" وغيرهما، اذ كان هؤلاء
معروفون باستقرارهم وتحضرهم. وهذا ميزهم عن سائر القبائل المتنقلة المشار اليها
بلفظ "أعراب" في كتب العربية الجنوبية. وهذا دليل واضح على ان الكلمة كانت
مسمى لعرب البوادي، وليس القومية العربية الشمولية. وكتبت تلك النصوص في الفترة ما
بين (449 – 542م) أي قبل ظهور الإسلام بقليل.
الإسلام جعل "عرب" علماً - قومية.
وبعد ظهور الإسلام – وبفضلة، فهم
الاعراب الجنوبيين معني العربية، بعد دخولهم الإسلام وقراءتهم للقران الكريم، وتكلمهم
باللغة التي أنزل بها.
النص الوحيد الذي ورد فيه لفظ
“العرب” علماً على العرب جميعاً من حضر وأعراب، هو القرآن الكريم. وقد ذهب "د.
أ. ميلر" (ناقد
أدبي أمريكي) إلى
أن من جعل الكلمة ذات طابعاً عاماً ويقصد بها القومية هو "القران
الكريم". ولكن "د. أ. ميلر" يشك في ورود كلمة “عرب” في الشعر
الجاهلي ومدلولها على القومية، كالشعر الذي كتبة "امرئ القيس"، وبعض
المدونات الأدبية في الجاهلية.
ولكن رأي "ميلر" ضعيف، إذ
كيف خاطب القرآن الكريم قوماً بهذا المعنى لو لم يكن لهم علم سابق به؟ وفي الآيات القرآنية
ما يدل على ادراكهم لذا المعني قبل اسلامهم،
قال
تعالى:
{إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ} [يوسف:2].
{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ
قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3].
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ
يَقُولُونَ إنَّمَا يُعَلِّـمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْـحِدُونَ إلَيْهِ
أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل: 103].
{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}
[الشعراء: 195]
فدلت هذه الآيات على وجود الإحساس بالقومية
العربية قبل ظهور الإسلام. ونحن لا نزال الي يومنا هذا نميز بين العرب المتحضرين
وبين البدو "سكان البادية" كما هي عادت التاريخ، وكأن شيئاً لم يكن.
الخلاصة.
والخلاصة أن كلمة "عرب"
كان يقصد بها سكان البادية في مناطق الفرات، والشام، وأحياناً منطقة سيناء
المصرية، وهذا في كل الحضارات القديمة واللغات السامية. ومنها انتقل المعني لمن
خلفهم. وكلما زاد اختلاطهم الأعاجم بالعرب كلما شمل المعنى أكثر العرب، أي كل من
في تلك المناطق عن العجم "عرب". وقد تم ذكر هذا المعني في الكتب
اليونانية واللاتينية القديمة.
تعليقات
إرسال تعليق
بماذا تفكر؟
أخبرنا بالتعليقات