
هل الانسان خيّر ام شرير بالفطرة؟
يبدو للجميع من الوهلة الأولى ان
الانسان شرير بالفطرة، خصوصا ونحن البشر لم نعش في سلام الا لفترات قليلة جدا على
مر العصور، مقارنة بالفترات التي امتلأت بالنزاعات والحروب والتي شهدتها البشرية
على مر التاريخ وهي للأسف الشديد تمثل الجزء الأكبر من التاريخ المعروف، حيث خلفت
الحروب على مر التاريخ المدون فقط ما لا يقل عن " 754,758,805" حالة
وفاة. هذا ولم اذكر حتى إفساد الانسان للطبيعة وطغيانه على كل من جاورنا من
المخلوقات. عند ذلك ندرك كم أن الإنسان ملئ بالشر بفطرته ودائما ما يحاول إشباع غرائزه
الحيوانية أياً كانت الوسيلة المتاحة ولم يمنعه من ذلك شرائع ولا قوانين.
لفترات محددة ومؤقتة من الزمن فقط
هدّئت الشرائع والقوانين غرائزنا الحيوانية وكبحتها، ولكن عندما نطلق العنان لأنفسنا
وتتيح لنا الفرصة لفعل الشر وانتهاك المحرمات حتى نرتكب أفظع القبائح. ولا نكتفي
بهذا بل نبررها بالشرائع والقوانين أيضاً...!
الفلاسفة والعلماء.
الإنسان غالباً لا يقوم بالخير سوى لنفسه
أو لمنفعة تخصه، وهكذا يصبح هذا الخير شرا لأن غايته ليست من أجل الخير بل لأجل
نفس الإنسان الأنانية. وقد وضح لنا العالم "أيريك فروم" نزعة الإنسان
للشر، وقال انها ترجع إلى عدة أسباب من أهمها النرجسية الشريرة التي تتأصل في الإنسان،
وكذلك قد أشار "توماس هوبز" إلى أن طبيعة الانسان الحقيقية هي الشر،
ولكن العقل الذي يملكه الانسان يمنعه ويحول بينه وبين الخضوع للغرائز الحيوانية
ويلزمه أكثر باتباع الشرائع والقوانين.
سقراط اتى برأي شديد الأهمية يستحق
الوقوف عنده والنظر فيه، واكد هذا الرأي أفلاطون من بعده، وهو أن أصل الشرور واهم
اسبابها هو الـجـهـل، فلا يوجد انسان يقدم على فعل الشر إلا إذا كان جاهلاً. وهذا
الرأي عند التمعن فيه سنرى ان الجهل سبباً رأسياً في الشرور، وما يقصد بالجهل ليس
فقط عدم المعرفة، بل ايضاً من الممكن ان يكون نتيجةً للمعرفة نفسها، وهذا عندما
تُسخر المعرفة لخدمة الجهل والعلوم الضارة الزائفة، وكذلك عند نقص قدرات وتجارب
وخبرات الشخص وعدم اندماجه في العالم بالشكل المطلوب، وكل تلك تندرج تحت بند الجهل
ايضاً وقد يؤدي هذ الجهل لجذب صاحبة الي بؤرة الشر.
ويرى الاديب والفيلسوف جان جاك روسو
أن الحالة الطبيعية للإنسان هي الخير وليس الشر، فلإنسان كائن أشبه بالحيوانات
يحاول إشباع حاجاته وغرائزه وفقاً لحدود وقوانين محددة، يلبى من خلالها حاجاته
الغريزية الفطرية كأي حيوان آخر، إلا ان الانسان يمتلك العقل الذي يجعله مختلفاً
عن باقي الحيوانات إذ يمكّنه هذا العقل من خلق نظام اجتماعي أكثر تطوراً.
الانسان أفضل المخلوقات شرفا ومرتبة.
الانسان أفضل المخلوقات شرفا ومرتبة،
ولا شك ابدا في ذلك فقد كرمه الله عز وجل في كتابة الكريم ووصف الانسان بانه أشرف
المخلوقات، وتفضل علينا الله بنعمة العقل وجعلنا خلفاء في الأرض. أعلم انني ربما انتقصت
من قدر الانسان قليلاً، ولكن الواقع الحالي ما دفعني لقول ذلك. ويقول الله عز وجل:
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} سورة الروم: 41.
علم النفس وطبيعة الانسان.
اما من ناحية علم النفس بخصوص طبيعة
النفس البشرية، فقد أوضحت تجارب علم النفس التطوري ان الانسان لدية نوع من الخير
الفطري خاصة وهو في مرحلة الطفولة، وأبرز هذه التجارب هي تجربة "عرائس
الدمى" والتي تعد تجربة نفسيه لأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 6 و7 سنوات فقط،
تنفذ التجربة بوضع ثلاث دمى وتحريكها لإظهار سلوكيات وردود فعل معينة أمام الأطفال،
إحدى هذه الدمى تحاول القيام بعمل ما إلا أن الدمية الأخرى تحاول منعها من القيام
بهذا العمل، بينما تحاول الدمية الثالثة مساعدة الدمية الأولى. انتهت التجربة
والان جاء دور النتيجة، تم جمع الأطفال وطلب منهم اختيار دمية من الثلاثة، والنتيجة
ان جميع الأطفال اختاروا الدمية المساعدة.
كما وتوجد العديد من التجارب التي
تؤكد النتيجة المذكورة في التجربة السابقة، وفحواها ان الأطفال جميعا لديهم نوع من
الخير الفطري. اذ تؤكد أبحاث ودراسات علم النفس ان الانسان لديه انجذاب للخير
وخاصة في مرحلة الطفولة.
اذاً لماذا يميل الانسان الي الشر عند التقدم بالسن؟
هناك العديد من العوامل المؤثرة في
النفس الإنسانية، مثل التربية والمجتمع والبيئة المحيطة والأصدقاء ايضاً، والنظام
الاجتماعي يندرج تحته النظام الاقتصادي، الذي كلما زادت كفاءته المنهجية والتربوية،
كلما انعكست اثاره الإيجابية على سلوك افراد المجتمع. والعكس صحيح، فكلما فشل
وتراجعت كفاءته انعكست اثاره بالسلب على افراد المجتمع وابناءه.
نعم هذا هو واقع الامر، وقد أثبتت
تجارب علم النفس ذلك، فتجربة "ستانلي ميلغرام" عام 1961 بينت ان السلطة
والمجتمع يؤثران على سلوك الفرد واراءه وتوجهاته وبالتالي تشكلان العامل الأساسي
في تحديد تصرفاته، وهذه من أهم التجارب التي توضح هذا الامر.
وقام أيضا "فيليب زيم باردو"
بتجربة مماثله "تجربة سجن ستانفورد" والتي أدت لنتائج مماثلة تماماً
للتجربة السابقة، في تأثير الوضع الاجتماعي والسلطة على سلوك الفرد واراءه
وسلوكياته وتشكيلها.
إذن من المهم معرفة العوامل
الخارجية، لأنها بشكل عام سوف تُكون الأسباب الرئيسية تقريباً في بعض السلوكيات
والتصرفات الشاذة. وقد أشار العالم "بافلوف سكينر" الي هذا حين قال إن معرفة
سبب تصرف الناس بالطريقة التي يتصرفون بها، تتطلب معرفة الظروف الخارجية المحيطة
التي جعلتهم يتصرفون بتلك الطريقة.
ونجد أيضاً في التراث الإسلامي ما يؤكد
الي حد ما هذه الحقائق العلمية، فعلي سبيل المثال رأي الإمام أبو حامد الغزالي حين
قال إن الطفل يأتي إلى الحياة ونفسه صحيفة بيضاء خالية من كل نقش وتصوير، وأن
المربي أبا ومعلما هو الذي ينقش على هذه الصحيفة ما يشاء من خير وشر، والصبي قابل
لكل ما ينقش عليه ومائل إلى كل ما يمال به إليه.
خلاصة القول.
والخلاصة التي أنتهي إليها في
النهاية، أننا يجب أن نقبل الإنسان كما هو، يقول الله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا
سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن
زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} سورة الشمس: 7-10.
ويقول الله عز وجل: {وَهَدَيْنَاهُ
النَّجْدَيْنِ}، سورة البلد: 10.
وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه،
- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ،
فأبواه يُهَوِّدانِه، أو يُنَصِّرانِه، أو يُمَجِّسانِه، كمثلِ البَهِيمَةِ
تُنْتِجُ البَهِيمَةَ، هل ترى فيها جَدْعَاءَ"، صحيح البخاري: 1385.
إن الله سبحانه وتعالى أودع في أنفسنا
نوازع الخير والشر، وهذا أصل الابتلاء في الدنيا، ونرى هذا في التدافع بين الناس،
ولولا هذا التدافع لفسدت الأرض.
الخير في الناس مصنوع إذا جبروا
والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا
جبران خليل جبران
تعليقات
إرسال تعليق
بماذا تفكر؟
أخبرنا بالتعليقات